رواية عم جابر ( كامله جميع الفصول ) بقلم اندرو شريف ومحمد شعبان
من حوالي سنة كده وأنا شغال جزمجي مع عم جابر؛ راجل في الخمسينات، ابن حلال مصفي، لكن طول المدة اللي قعدتها معاه، سمعت قصص وحواديت ياما عن الأوضة المقفولة في المحل بتاعه، في اللي بيقول إنها مسكونة من القفلة، وفي اللي بينفي... والسبب، إن الأوضة اتقفلت بعد ما الإشاعات كترت عليها، إنما الرأي اللي الناس أجمعوا عليه، هو إن عمار البيت استولوا عليها، قصص وحواديت غريبة، العامل المشترك بينهم إن اللي بيحكوه هم أهل الحتة، إنما عم جابر نفسه، عمره ما نطق كلمة عن الأوضة غير مرة واحدة أول ما بدأت أشتغل معاه، قالي "أوعى تقرب من بابها المقفول، غير كده المحل كله بتاعك"... وصدق عم جابر، حسسني إن المكان مكاني، اتعامل معايا معاملة الأب لابنه، عشان كده عمري ما فكرت أضايقه، بفكر دايما في الحاجة اللي تريحه حتى لو كان على حساب صحتي، وعلى الرغم من كده، إلا إن الفضول ملازمني طول الوقت عن السر اللي جوة الأوضة، بالذات لإن عمري ما شوفت ولا حسيت بحاجة غريبة جاية منها، بس صدقني، القصة أكبر من أوضة مسكونة في محل جزم.
**
كنت قاعد أنا وعم جابر بنخيط كام شنطة على كام جزمة، جه في بالي قصة الأوضة، وقتها لساني فلّت واتكلمت عنها:
-ألا هو في ايه جوة يا عم جابر، أنا شايف إن مالوش لزوم الأوضة تفضل مقفولة، يعني.. أنا بقالي سنة شغال أهو، ولا شوفت عفريت ولا يحزنون.
عم جابر خد الكلام بصدر رحب ورد عليا وهو مبتسم ابتسامته الهادية:
-وهو لو في عفريت جوة يا صلاح يابني، هيطلعلك برة ليه؟!
حسيت بفضول أكبر تجاه الأوضة، فسألته السؤال اللي جه على بالي:
-يعني في عفاريت جوة فعلا يا عم جابر، مش اشاعات طالعة على الأوضة وخلاص؟
عم جابر ماكنش طويل البال بطبعه، عشان كده الرد بتاعه ماستغربتوش:
-بقولك ايه يابني، انت بقالك سنة شغال معايا والأمور ماشية زي الفل، ماتجيش دلوقتي وتصعبها على نفسك وعليا، أنا ارتاحتلك من غير ما أعرف أصلك ولا فصلك، وده لأنك ابن حلال وقصدتني في خير، وأنا ماتأخرتش... ثم كفاية اوي إني شغلتك على مكنة توفيق أخويا، أظن ان انا مش محتاج أقولك أكتر من كده.
قلبت الموضوع هزار وقولتله:
-ما المكنة لسه بتاعته يا عم جابر، ماتقلقش... لما يرجع هيلاقي مكانه زي ما هو، أنا جاي سد خانة مش أكتر.
-لو سد خانة ماكنتش شغلتك يا صلاح، أنت راجل طيب وابن حلال، بدليل إني ارتحتلك أول ما شوفتك، واديك أهو، شربت الصنعة بدري بدري، ومين عالم، يمكن بكرة تاخد مكاني.
-ما عاش ولا كان يا عم جابر، هو احنا لينا غيرك يا راجل يا طيب، أنا مش عارف من غيرك كنت هعمل ا...
قاطعني بسرعة:
-ماتكملش يابني، كلنا أسباب، وأنت لو مش ابن حلال... ماكنتش شغلتك معايا، واكيد كنت هتحصل غيرك.
الحوار قلّب هزار وكل واحد ركز في شغله، لحد ما شاب في العشرينات دخل المحل، كان ماسك في ايده جزمة كورة وماشي ناحية عم جابر، بعدها حط الجزمة جنب المكنة وقاله بعشم:
-بقولك ايه ياعم جابر يا عسل، عايزك تخيطلي الجزمة وتروقلي عليها بايدك الحلوة دي، ومعلش، انا عندي حجز بعد ربع ساعة ومتأخر.
رد عليه عم جابر وهو بيستغفر ربه:
-استغفر الله العظيم، مش قولتلك مليون مرة تجيلي قبلها بساعة عشان بيبقى ورايا شغل، ولا عشان عديتهالك مرة هتتعود، أنا دلوقتي عندي شغل، والدنيا على بعضها زي مانت شايف، أعملك ايه انا دلوقتي!
رد عليه الشاب بسخرية:
-على بعضها ايه يا راجل يا طيب، دي جزم قديمة محطوطة على بعض وموجودة من ساعة مانا اتولدت، مافيش غير الشنطة اللي في ايدك، وسهلة يعني، نديها لصلاح يقضي مصلحتها لحد ماتخلصني.
اتعصب عم جابر من طريقة الشاب ومسك الجزمة ورماها على الأرض:
-بقولك ايه يابني انت، ماعندناش مكن يصلح جزم، خد حاجتك وشوف حالك، امشي، روح الحجز بتاعك، الله يرضى عليك.
بعدها عم جابر كمل شغله عادي، بس عينه ماكنتش مفارقة المكنة اللي قدامه، اما الشاب، ملامح وشه اتغيرت، حسيت إنه هيعمل مشكلة مع عم جابر بسبب طريقته، وعشان أمتص غضبه، قومت أخدت الجزمة من على الأرض ونفضتها وأنا باصص له:
-عايزها خياطة يدوي ولا عادي.
رد عليا وعينه على عم جابر:
-لا يدوي ايه بقى، اللعب بعد خمس دقايق، مش هلحق أكيد... اعملهالي أي حاجة عشان أمشي بيها حالي.
-عينيا يا غالي، اقعد استريح على ما اخلص.
قعد الشاب على كرسي قدامي وعينه ماكانتش مفارقة الأوضة اللي جنبي... الأوضة الملعونة، زيه زي أغلب الشباب اللي بتيجي تصلح حاجة عندنا، لكن وسط الشباب دول، في نوع تاني، نوع بيجي عشان يفضل باصص على الباب، بيكون متخيل إنه هيشوف حاجة خارقة عن الطبيعة، لكن مافيش حاجة من الكلام ده كله بتحصل، ايوه، مافيش اي حاجة غير في مخيلة كل واحد فيهم لما يرجع البيت، وبعدها، بيبقى عايز يجي مرة تانية عشان يكرر التجربة، كلام أفلام ومسلسلات بيعصب عم جابر، هو شايف إن المحل ده أهم شيء بيمتلكه، فبيبقى متضايق من الاشاعات اللي طالعة عليه، لكن خلاص، بقى أمر واقع عاش فيه لسنين... المهم، خلصت الجزمة بتاعة الشاب واديتهاله وحاسبني، بعدها أخد بعضه ومشي، ولما طلع من المحل، بصيت لعم جابر وقولتله:
-ايه يا راجل يا طيب... براحة على الزباين، دول اللي بناكل من وراهم عيش.
ساب الشنطة اللي في ايده وبص لي:
-الأكل والشرب دول بتوع ربنا يابني، وإذا كان على ميدو، فهيجي تاني، ماتقلقش... كلهم بيجوا عشان الأوضة.
-والله انا ما بقيت عارف الأوضة دي نعمة ولا نقمة، الواحد أول مرة يشوف حدوتة زي دي.
عم جابر مسك الشنطة مرة تانية وحطها تحت سِن الإبرة وهو بيقولي بابتسامة:
-ولسه ياما هنشوف.
خلص الحوار بينا على كده وكل واحد شاف شغله، اشتغلنا لحد ما في نص اليوم عم جابر طلع برة المحل يجيب أكل زي كل يوم، وقتها أنا قعدت عشان ماسيبش المكان لوحده، وفي وسط مانا قاعد، باصص للحيطان ومستني اي زبون يجي، فضولي رمى عيني على باب الأوضة، ومع بصتي عليها قولت لنفسي (هيحصل ايه يعني لو فتحتها وعرفت اللي فيها)، لحظات وقومت من مكاني وأنا مقرر إني هفتح الباب قبل ما عم جابر يجي، خطوة في التانية، لقيت نفسي واقف قدام الباب، قلبي كان مقبوض وجسمي كله بيعرق، كأن في حاجة بتحذرني من دخول للأوضة، لكن أنا كنت واخد قراري وحطيت ايدي على أوكرة الباب عشان أفتحه، في اللحظة دي سمعت صوت عم جابر وهو مُنفعل عليا:
-انا مش قولت مليون مرة مالكش دعوة بالأوضة، مش احنا كنا لسه من شوية كنا بنتكلم في الموضوع ده، ايه، حصلت انك تكسر كلامي وتحاول تفتح الباب.. أنت ايه، مابتفهمش.
لفيت جسمي ناحية عم جابر، بصيتله وأنا مش عارف أنطق ولا أبرر اللي عملته، حتى هو مادانيش أي فرصة أدافع بيها عن نفسي وكمل زعيق:
-ده تحذيري الأخير ليك، الأوضة دي ماتحاولش تقرب ناحيتها تاني، أنا مش عايز شوشرة من أهل الحتة، كفاية اللي بنشوفه وبنسمعه منهم، ماتخلنيش أقلب عليك.
-أنااااا
كنت هكمل كلام ودفاع عن نفسي، لكن عم جابر وقع على الأرض زي الطوبة، من الخضة اتمسمرت مكاني وانا مش عارف أعمل ايه، مُجرد تفكيري إني ممكن أكون سبب في موته، خلاني أرتجف من الخوف، ثواني واتمالكت اعصابي، بعدها نزلت على ركبتي عشان أشوف جراله ايه، والحمدلله، كان لسه فيه الروح، بعدها خدته بتوكتوك لأقرب مستشفى، وهناك الدكاترة طمنوني عليه وقالولي إنها غيبوبة سكر مش أكتر، غيبوبة جتله بسبب إهماله للدوا، ولما فاق وبقى زي الفل، كنت متردد أخشله، خايف أضايقه لما يشوفني لا يتعب تاني، لكن وقتها كسر حاجز الخوف ممرضة جت عشان تطلب مني أدخل لعم جابر لانه عايزني، ماترددتش لحظة واحدة ودخلتله، كان نايم على السرير وهو مبتسم وباين عليه التعب، قعدت على كرسي قريب منه وبصيت على الأرض وأنا بقوله
-معلش يا راجل يا طيب، ماكنش يصح اللي أنا عملته، بس كان عندي فضول وعاوز أعرف ايه اللي جوة.
رد عليا بنبرة كلها تعب:
-بصلي كدة ياض وأنت بتكلمني، أنا زي أبوك، ماتكسفش مني... أنا اللي أسف إني اتعصبت عليك، بس الواد بندق الله يسامحه كان قافل، ماعرفتش اجيب منه رغفين حواوشي كلابي من اللي بيبيعهم.
ابتسمت وقولتله:
-انت ليك نفس تهزر يا عم جابر.
-وماهزرش ليه يعني، أنا زي الفل، ده انا حتى ماشي معاك دلوقتي، ايه، فاكرني هفضل قاعد هنا ولا ايه، دي غيبوبة سكر لا بتجيب ولا بتودي.
في اللحظة دي الدكتور دخل الأوضة وطمنا، قال إن عم جابر بقى زي الفل ويقدر يمشي دلوقتي، هو بس لازم ينتظم على الأدوية ولازم حد يتابعه الفترة الجاية، وبعد ما الدكتور قال الكلمتين دول ومشي، عرضت على عم جابر أقعد معاه اليومين الجايين في البيت عنده، ومع عرضي عليه، وافق على كلامي واتحركنا من المستشفى على البيت، وبمجرد ما وصلنا وفتحنا باب الشقة، بدأت الأحداث المرعبة تحصلي، ساعتها سمعت صوت جاي من الأوضة اللي جوة، صوت حاجة بترزع جامد، اتاخدت ورجعت خطوتين لورا!
-ايه يا عم جابر، هي الشقة كمان مسكونة ولا ايه!
-جرى ايه ياض، ما تسترجل، وشك مخطوف كده ليه، تلاقيني بس نسيت الشباك مفتوح وبيرزع في بعضه.
بلعت ريقي وانا برد عليه:
-لالالا أنا زي الفل، أخاف من ايه بس... أنا خايف عليك تتخض وأنت تعبان كده.
-طب خش ياض، خش، مالك واقف ع الباب كده ليه.
رديت عليه وأنا ببص يمين وشمال:
-داخل يا راجل يا طيب، داخل في ضهرك اهو.
دخت وراه وقعدنا نتكلم لحد ما الليل ليل علينا وحسيت إني عايز أنام، ومن غير ما أسأل على الأوضة اللي هبات فيها، عم جابر شاورلي على الأوضة اللي في أخر الطُرقة.
-نام في أوضة توفيق أخويا، مع إني ماكنتش عايز أفتحها قبل ما يرجع، بس أنا بحبك وهبيتك فيها.
-والله ما عارف أقولك ايه ياعمنا، سنة واحدة معاك عوضتني عن مرمطة الدنيا اللي عيشتها في حياتي كلها.
-ماتقولش وماتشيلش الهم، ربك كبير وبيعوض... يلا، تصبح على خير.
-وأنت من أهل الخير ياعمهم.
بعد كده عم جابر خد بعضه ودخل ينام، اما أنا، ف قومت ودخلت الأوضة، للنظرة الأولى حسيت إن قلبي مقبوض، لكن ثواني وهديت، كأني لسه بتعرف على المكان، بعدها فردت جسمي على السرير وغمضت عيني، من التعب روحت في النوم، ماعرفش عدى قد ايه وأنا نايم، لكن فجأة سمعت صوت حاجة بترزع، قومت مخضوض وضربات قلبي عالية، بصيت حواليا لقيت الشباك بتاع الأوضة بيخبط في بعضه، بلعت ريقي وقومت قفلته، ولما رجعت عشان أنام على السرير، حسيت بالعطش، فطلعت برة، ووقت طلوعي، شوفت شخص واقف قدامي ومديني ضهره، كان زي الصنم، مابيتحركش، بلعت ريقي وسألت بصوت واطي:
-أنت.. انت هنا يا عم جابر!
مافيش رد، بس بعد سؤالي، الشخص اللي قدامي اتحرك ناحية شباك الصالة، مشيت وراه بخطوات هادية لحد ما فتح الشباك ومد ايده لبرة، في الأول حسيت إنه هينط، فبخطوة سريعة وبتلقائية شديته قبل ما يعمل في نفسه حاجة، وبمجرد ما عملت كده، وقعنا احنا الاتنين على الأرض!
-ايه يابني.. فزعتني الله يخربيتك، هو انا جايبك عشان تموتني بسكته قلبية.
اللي قال كده كان عم جابر، بصيتله باستغراب وأنا مُحرج من اللي حصل:
-أنا أسف والله يا عم جابر، أصلي ناديت عليك وأنت ماردتش، فافتكرتك حرامي وهيهرب.
-حرامي ايه اللي هينط من التاني ده، أنا كنت بشم شوية هوا وبتمطع، تقوم عامل فيا كده، لكن انت ايه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟؟
-معلش بقى يا عم جابر، أنا قلقت وأنا نايم بسبب الشباك، فصحيت، ولما خرجت عشان اشرب، شوفت المنظر الغريب ده.
ضحك وهو مركز على الشباك وكأنه افتكر حاجة:
-هو خبط الشباك ده قلق يابني، القلق اللي بجد لما كنا بنصحى بسبب شكرية واللي بيجي من وراها، لكن الحمدلله، ربنا نجدنا منها ومشيت هي واللي معاها، بس ايه، مشيت بعد ما خدت الغالي.
-مش شكرية دي عدم اللامؤاخذة، تبقى صاحبة بيت الدعارة اللي كان على أول الشارع!
بمجرد ما نطقت الكلمة ملامح وشه اتغيرت واتحرك ناحية أوضته:
-أنا داخل أنام، مافيش واحدة اسمها شكرية في شارعنا، قَفل عالسيرة.
كان واضح على عم جابر الحزن وهو داخل الاوضة، وبسبب شكله، ماقدرتش أسأله ماله، اصل انا عارف اجابته كويس، وكفاية أوي اللي حصل النهاردة، أنا ماكنتش ناقص اتسبب في زعله مرة تانية، وعشان اقصر، خدت بعضي ومن سكات، رجعت على السرير وكملت نوم، ولما صحيت وفوقت، قومت اطمن على عم جابر، مالقتوش في الشقة، فضلت أخبط على أوضته، ماكنش بيرد، ولما حاولت أفتح الباب، لقيته مقفول، لكن في لحظتها سمعت صوت موبايلي بيرن، روحت جيبته من على المكتب واكتشفت ان عم جابر هو اللي كان بيتصل بيا!
-ايه ياعمنا، بتسيبني لوحدي وتنزل من غير ما تصحيني!
-انل صحيتك كتير وأنت زي الجلنف، مابتقومش، بس تعرف، صعبت عليا وقولت أسيبك عشان تعبتك معايا امبارح، بس بما إنك صحيت... خمس دقايق وألاقيك قدامي عشان نفطر مع بعض.
من غير ولا كلمة زيادة نزلت المحل، واول ما دخلت، لقيت عم جابر جايب فطار عظمة، قعدت ومسكت رغيفين خبطهم في بعض وابتديت افطر، وفي وسط ماحنا بناكل، سألت عم جابر السؤال اللي كان محيرني طول الليل:
-انا بقالي سنة شغال معاك يا راجل يا طيب وعمري ما سألتك عن عم توفيق.
عم جابر ساب رغيف العيش من ايده وبص لي:
-عمك توفيق ده ماكنش اخويا ابن وامي وابويا وبس، ده كان صاحبي أكتر بكتير من كلمة اخويا، من ساعة ما ابونا مات وسابلنا المحل والشقة واحنا شغاليين على المكنتين دول، مابنوقفش، لحد ما من خمسة وعشرين سنة صحيت مالقتوش في فرشته، من ساعتها والأخبار اتقطعت عنه، عدت الأيام والشهور وأنا بدور عليه، لكن مع الأسف، الأخبار عنه كانت معدومة، وفضل الوضع هو الوضع لحد ما في يوم ربنا بعتلي شخص زيك كده اسمه زينهم، اشتغل معايا على مكنة توفيق، وفي ليلة كنا سهرانين في المحل ولقيته قام مرة واحدة وفضل يصرخ ويهلل.. "عفريت عفريت"، ولما سألته مالك، حلف ١٠٠ يمين إنه شاف حد جوة الأوضة والشارع كله صحي على صوته، بس انا ماسكتتش، انا لميت الموضوع وكل واحد رجع بيته، وتاني يوم، زينهم ماجاش الشغل، انقطعت اخباره، بعدها عرفت إنه طفش، ومن اللحظة دي والناس بتقول إن الأوضة مسكونة وبتلعن كل اللي بيدخلها، بصراحة أنا خوفت، ماكدبش عليك، وبسبب اللي حصل، قولت أقفل الأوضة، اصل انا كده كده مش بستفيد منها، ومن بعدها قررت إني مش هشغل حد معايا، لكن اهو.. السنين مرت والعضمة كبرت وجيت انت يابني وشغلتك معايا... شغلتك عشان انت ابن حلال واعتبرتك ابني اللي ماجيبتوش.
رديت عليه وأنا مستعجب من كل اللي حصل:
-غريب أوي اللي حصل ياعم جابر، مانا بقالي سنة أهو قاعد معاك وماحصلش حاجة.
مرة واحدة قام من مكانه وبدأ يلم الزبالة اللي حواليه:
-أديك قولتها... ماحصلش حاجة، تبقى اشاعات وطلعت بسبب زينهم، الله يسامحه بقى ماطرح ماهو قاعد، الأهم من كل ده انك دلوقتي تقفل سيرة الأوضة دي خالص، وزي ما قولت، انت بقالك سنة قاعد ومابتسألش، جاي دلوقتي وتسأل!
لسه هبرر موقفي وأتكلم، مادانيش فرصة، ده كمل كلامه وقالي:
-بس مش مهم... هعتبر ان العشم واخدك وهعديها، ودلوقتي يلا، يلا نستفتح ونبتدي شغل، بلاش رغي كتير.
من غير كلام تاني لميت الزبالة معاه وروقنا المحل، وبعد ما روقنا، دخل أول زبون ووراه التاني لحد ما اليوم خلص وقفلنا، بعدها طلعنا الشقة واتعشينا مع بعض، لكن عم جابر كان واضح عليه إنه متضايق من حاجة، ولما سألته مالك، ماردش عليا، ده خد بعضه ودخل أوضته، سكتت ومارضتش أتقل عليه ودخلت أنا كمان أريح على السرير من تعب اليوم، ولما فردت جسمي، فضلت أفكر في كل اللي حصل النهاردة لحد ما سمعت صوت برة... كان صوت حد بيبكي، قومت مخضوض ومشيت ورا الصوت، لاقيت نفسي قدام أوضة عم جابر اللي بابها موارب، بصيت عليه من برة، لقيته ماسك صورة في ايده وعينه ثابتة عليها:
-واحشني أوي يا توفيق، ايه يا جدع... نسيت أخوك ومابقتش تسأل عليه، بالك أنت، أنا السنين دي كلها شغال على المكنة عشانك، أي والله... مانا من زمان بقولك إن الكار ده مش كاري، وأنت تقعد تقولي لا، شغلانة أبوك وهنكمل فيها... نفهم ايه احنا في الدنيا عشان نعمل حاجة تانية... عايز تسيب شغلانة أبوك"... وأنا عشان بحبك صدقتك واشتغلنا ليل ونهار، كنا مبسوطين وحياتنا مرتاحة، لحد ما جات الملعونة ولعنتنا معاها، لكن أنا السبب في كل اللي حصل، أنا اللي سيبتك، ويوم ما جيت أفوقك من الحلم اللي أنت كنت عايش فيه، كل حاجة كانت راحت، بصيت جنبي ولاقيتني لوحدي... انا.. انا ضهري اتقطم من بعدك ومابقتش قادر أعيش بذنبك ياخويا، لكن ربك حنين، بعتلي الواد صلاح، ابن حلال مصفي، شبهك ياض يا توفيق، مانا بقوله ياض يا صلاح برضه، ماتزعلش لو كان قاعد مكانك، ده عيل طيب، وبعدين الونس حلو برضه، طب تعرف، الواحد بقاله كتير مانامش في على فرشته وهو حاسس بالونس زي امبارح، ماتزعلش مني، أنا بحبك ياض، وفي يوم هشوفك، صدقني هشوفك قريب... وقريب أوي كمان.
خلّص عم جابر كلامه وفرد جسمه على السرير، بعدها أخد الصورة في حضنه وغمض عينه وراح في النوم، بهدوء رجعت أوضتي وفردت جسمي وفضلت باصص للسقف، بفكر في اللي قاله عم جابر والسر اللي وراه، وفضلت افكر وافكر لحد ما روحت في النوم، ولما فوقت، قومت أتطمن على عم جابر، باب أوضته كان موارب زي
امبارح بالظبط، اديت نظرة جوة ولقيته واقع على الأرض، جريت أشوف ماله، كان لسه فيه الروح، مخي وقف وماعرفتش افكر، انا نزلت الشارع ودورت على أقرب دكتور وجيبته في ايدي، والحمدلله، عم جابر فاق، كل اللي في الموضوع إنه كان عنده غيبوبة سكر برضه، لكن المرة دي الدكتور أكد عليا إنه لازمله راحة، أول ما عم جابر سمع الكلام ده، بقت راسه وألف سيف انه ينزل المحل دلوقتي، وبعد محاولات كتيرة معاه، أقنعته ياخد أجازة النهاردة بس، وأنا هنزل المحل بداله وكل حاجة هتمشي عال العال، بعدها نزلت جيبت فطار وفطرنا مع بعض وقعدنا نرغي ونهزر، وقبل ما أنزل، اتأكدت إنه أخد الدوا وخدت منه مفاتيح المحل، لما نزلت رشيت شوية ماية على عتبة الباب وابتديت شغل، كأنه يوم عادي، مافيش أي اختلاف... الاختلاف الوحيد بس إن عم جابر ماكنش معايا، لكن.. لكن وفي نفس الوقت برضه، الأوضة الملعونة كانت قدامي وفي ايدي مفاتيحها، دماغي كانت بتودي وتجيب عشان أفتحها وأشوف السر اللي جواها، هل فعلا في حاجة جواها تستحق البروباجندا اللي معمولة عليها دي كلها؟.. بس السؤال ده اجابته في ايدي، وعشان كده قررت ماضيعش الفرصة وفتحت الباب.. يتبع